مولده وحياته: وُلد وليد عبد الكريم إبراهيم الأعظمي سنة 1930م بالعراق في "الأعظميَّة"؛ المدينة التي أخذت اسمها من اسم الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان.
وهو من قبيلة "العُبيد" العربيَّة القحطانيَّة الحميريَّة، كما أن سكان الأعظميَّة معظمهم من أبناء هذه القبيلة.
وقد تعلَّم قراءة القرآن الكريم لدى المُلا عميد الكردي، وانْتَسَب إلى مدرسة الأعظميَّة الابتدائيَّة الأُولى، وأكمل الدراسة الابتدائيَّة فيها.
وقد نشأ في بيئة دينيَّة وأسرة محافظة على دينها، فكان محافظًا على الصلاة وهو صبي، وكان وأصحابه يقضون معظم أوقاتهم في جامع الإمام الأعظم حيث الجوُّ الرُّوحي الرائع.
كان في شبابه يحرص على حضور دروس العلاَّمة الشيخ قاسم القيسي "مفتي بغداد" التي يلقيها على طلاب المدارس الدينيَّة في "مسجد بشر الحنفي" في الأعظميَّةز
وكذلك دروس العلاَّمة الدكتور تقيِّ الدين الهلالي في "مسجد خطاب" بالأعظميَّة.
ودروس العلاَّمة الشيخ محمد القزلجي الكردي، ودروس الشيخ عبد القادر الخطيب، ومجلس العلاَّمة الحاج حمدي الأعظمي في منزله، ودروس العلاَّمة الشيخ أمجد الزهاوي في جامع الإمام الأعظم ومسجد الدهان.
انتسب إلى معهد الفنون الجميلة ببغداد، قسم الخطِّ العربي والزخرفة الإسلاميَّة، وتخرَّج فيه.
وتعلَّم فنَّ التركيب في الخطِّ العربي على يد الخطَّاط التركي الشهير ماجد بك الزهدي، كما رافق الخطاط النابغة هاشم محمد البغدادي عشرين عامًا، اغترف خلالها الكثير المفيد من فنِّه وفضلِهِ وأدبِهِ.
حصل على إجازات في فنِّ الخطِّ العربي من الخطاط المصري الشهير محمد إبراهيم البرنس، ومن الخطاط محمد طاهر الكردي "خطاط مصحف مكة المكرمة"، ومن الخطاط أمين البخاري "خطاط كسوة الكعبة المشرفة"، وغيرهم.
والأستاذ وليد الأعظمي متزوِّج من ابنة عمِّه، التي كانت له نِعْمَ الزوجة الصابرة، ورُزق منها بثمانية من الأولاد؛ أربعة من البنين، وأربع من البنات.
وكان عضوًا مؤسِّسًا في الحزب الإسلامي العراقي سنة 1960م، وعضوًا مؤسِّسًا لجمعية المؤلِّفين والكُتَّاب العراقيين، وعضوًا مؤسِّسًا لجمعية الخطَّاطين العراقيين، وعضوًا مؤسِّسًا لمنتدى الإمام أبي حنيفة في الأعظميَّة.
شاعر الدعوة:
عاش وليد الأعظمي داعية من دعاة الإخوان المسلمين العراقيين، وشاعرًا من شعراء الإسلام المعاصرين، وسخَّر كل طاقاته وإمكاناته لخدمة الإسلام والمسلمين داخل العراق وخارجه.
فكان يعيش قضايا الإسلام والمسلمين، ويتفاعل مع الأحداث، ويؤكِّد المعاني الإسلاميَّة وروابط الأخوة بين المسلمين، وأنهم جسد واحد، وأن بلاد المسلمين واحدة، فكان لا يُقيم وزنًا للحدود المصطنعة.
وكان يرى أنَّ المسلمين أُمَّة واحدة ربُّها واحد ونبيُّها واحد، وقِبْلَتُها واحدة، وهدفها واحد؛ هو العمل لمرضاة الله وتحقيق معنى العبوديَّة لله وحده.
وقد أسهم في كل ميدان من ميادين خدمة الإسلام والمسلمين على الصعيد الوطني والسياسي والاجتماعي؛ فشارك في مظاهرات 1948م التي أسقطت المعاهدة الاستعماريَّة، وأسهم في تأسيس "جمعية الأخوة الإسلاميَّة" عام 1950م.
وشارك في جميع أنشطتها من المحاضرات، والندوات، والمؤتمرات، والمخيمات، والمعسكرات الكشفية، والتمثيليات والمسرحيات، والأناشيد الإسلاميَّة، وغيرها.
رحلته الشعرية:
بدأ نَظْم الشعر وهو ابن خمسةَ عَشَرَ عامًا، وكان قبل ذلك بقليل ينْظِم الزجل والشعر الشعبي بلُغَةِ العوامِّ.
وكان خاله الأديب مولود أحمد الصالح يُوجِّهه ويرعاه ويُصَحِّح له بعض الأوزان ويُبَدِّل بعض الكلمات، وفي سنة 1946م افتتحتْ جمعية الآداب الإسلاميَّة فرعًا لها في الأعظميَّة فكان ينشر فيها بعض المقطوعات الشعريَّة.
وأسهم بإلقاء الكثير من القصائد في البُلدان التي زارها مثل: الكويت، وسورية، والأُرْدُنِّ، وفلسطين، ومصر، والجزائر، والسعودية، والإمارات، واليمن، وغيرها.
نتاجه الأدبي:
نُشرتْ له الكثير من القصائد والمقالات والبحوث في النقد الأدبي، واللغة، والتاريخ، والفنِّ في عدد من المجلات منها:
الوعي الإسلامي في الكويت، ومجلة المجتمع ببيروت، ومجلة المجمع العلمي العراقي، ومجلة الرسالة الإسلاميَّة ببغداد، ومجلة التربية الإسلاميَّة ببغداد، وبعض الصحف اليوميَّة ببغداد، مثل: الأيَّام، والبلد، والسجل، والجمهوريَّة، وغيرها.
عاش وليد الأعظمي قضايا أُمَّته الإسلاميَّة في أنحاء العالم الإسلامي كلها؛ وليس مختصًّا بقطر دون قطر، فالعراق والعالم العربي كله والعالم الإسلامي برمَّته هو شغله الشاغل، فهو يتحدَّث عن فلسطين، وكشمير، وقبرص، والفلبين، والشيشان، والجزائر، وزنجبار، وسائر الأقطار الإسلاميَّة التي نابتها النوب، وأرخى الظلم بسدوله عليها، والاستعمارُ قمَّة الظلم والظلام حيث حلَّ ويحلُّ.
وشاعرنا الأعظمي كان له بالمرصاد، فلم يُهَادِنْ ظالمًا مستعمرًا جاء من وراء البحار، أو جاء بأمر من الاستعمار من أبناء الوطن، فكان يتصدَّى له شاعرنا، ويسوطه بسياط من القول حداد شداد، ويُلقي عليه حمم شعره، وشواظ نظمه.
لم يكن وليد الأعظمي شاعر الدعوة في العراق وحدها، بل كان بشعره يتخطَّى الحدود؛ ليكون على ألسنة أبناء الحركة الإسلاميَّة الذين أحبُّوه وأحبُّوا شعره، وكان الوقود الذي يشعل جذوة الإيمان في القلوب؛ ليهبَّ ذووها إلى ميادين العزِّ والفخار، وهم ينشدون مرَّة ويهتفون بها مرَّات.
وله دواوينُ كثيرة أهمُّها: ديوان "الشعاع"، و"الزوابع"، و"أغاني المعركة"، و"نفحات قلب"، وقد جُمعت كلها في حياته في مجلَّد كبير، تحت عنوان "ديوان وليد الأعظمي".
مؤلفاته النثرية:
أمَّا مؤلَّفاته النثريَّة فهي: "شاعر الإسلام حسان بن ثابت"، "المعجزات المحمدية"، "تراجم خطَّاطي بغداد المعاصرين"، "الرسول في قلوب أصحابه"، "مدرسة الإمام أبي حنيفة"، "تحقيق ديوان الأخرس"، "تحقيق ديوان العُشاري"، "الخمينية".
"السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني"، "هجرة الخطاطين البغداديين"، "شعراء الرسول"، "تاريخ الأعظمية"، "تحقيق ديوان عبد الرحمن السويدي"، "أعيان الزمان وجيران النعمان في مقبرة الخيزران"، "حسان بن ثابت الأنصاري".
"عبد الله بن رواحة الأنصاري"، "كعب بن مالك الأنصاري"، "عباد بن بشر الأنصاري"، "قتادة بن النعمان الأنصاري"، "أبو لبابة الأنصاري"، "سعد بن معاذ الأنصاري"، "أسيد بن حضير الأنصاري"، "أبو طلحة الأنصاري"، "حارثة بن النعمان الأنصاري"، "عقبة بن عامر الأنصاري"، "أبو دجانة الأنصاري"، "ذكريات ومواقف"، "رجال من قبيلة العبيد".
شعر وليد الأعظمي:
أوقف "وليد الأعظمي" شعره على التغني بالإسلام وعقيدته وشريعته، والردِّ على المناوِئين له، والتغنِّي بالدعوة الإسلاميَّة، فامتلأت دواوينه بالتغني بها وبمبادئها وأهدافها والإشادة بقادتها ودُعاتها، والناظر في شعره يجد أن الموضوعات الأساسيَّة التي غلبت عليه تتركَّز في بيان الفهم الصحيح للإسلام -كمنهج شامل لكلِّ نواحي الحياة- وكمال شريعته، ووجوب تطبيقها.
ونبذ القوانين الوضعيَّة الظالمة القاصرة، كما حمل في أشعاره على التديُّن السلبي والمنقوص لدى كثير من المسلمين، وحذَّر من المؤامرات التي تُحاك ضدَّ الإسلام والمسلمين، في وعيٍ عميقٍ وفهمٍ صائبٍ لحقيقة الصراع وجذوره العقائديَّة:
أَمِنْ بعدِ عزِّ المسلمين ومجدهمْ *** تَصُولُ على القدس الشريف يهودُهَا[1]
القدس في عيونه:
بمعايشة دواوينه نلحظ إخلاصه الأمين لقضية القدس ودفاعه المستميت الحيّ عَبْرَ الصور الحيَّة والأدب الواقعي، والكلمة النابضة بالدم والنار وبالكفاح والجهاد والتحرير والثورة.
يقول وليد الأعظمي مخاطبًا الصهاينة:
مهلًا شرارَ الورى مهلًا سنُلْبِسُكُمْ *** ثوبَ المذلَّة والخسران والهربِ
لولا سياسةُ ذاك العهد تنجدُكمْ *** بالأخذ والردِّ والتزوير والكذبِ
لكنتمُ في عداد الهالكين كما *** كانت قريظة في الماضي من الحقبِ
مهلًا فللْبَطَلِ المغوارِ صولتُهُ *** إنْ صالَ لم يخشَ من نار ومن قضبِ
مهلًا ستخبركمْ عنا مدافعنا *** والنار أصدق أنباء من الكتب[2]
ويناجي رسول الله، ويعتذر إليه لما آل إليه حال المسجد الأقصى الأسير المحتلُّ الذي يبكي بلا مجيب، فيقول:
يا سيِّدي يا رسولَ الله معذرةً *** إنْ خانني فيكمُ التعبيرُ والكلمُ
ماذا أقولُ وهذي القدس شاخصة *** أبصارها وبنو أعمامهم نُوَّمُ؟
صالتْ عليها عصاباتٌ تهدِّدها *** مِنَ اليهود وباسم البغي تقتحمُ
متى استطاع يهودُ خوض معركةٍ *** يا للهوان فممَّن نحن ننهزمُ؟[3]
لكنه يرى بعين المستقبل -التي تؤمن بالله- جندَ الحقِّ وهم يُهرولون باتجاه القدس لتحريره:
يا ساحةَ المسجدِ الأقصى وروضتَه *** حيَّتْكِ منَّا الدِّمَا لا الوبْلُ[4] والديمُ[5]
بُشْرَاك قد رفرفت رايات عزَّتنا *** جاءتْكِ ترفعها الهامات والهممُ
ونحن جند صلاح الدين ثانية *** قِمَاطُنَا[6] الحزم عند اليأس لا الخزمُ
نفوسُنا تصغر الدنيا بجانبها *** ولم يَعُدْ يعتريها الوهْن والوهمُّ
والحكم للحرب بعد اليوم مرجعها *** إمَّا الحياة وإمَّا الموت والعدمُ[7]
وبحسِّه الاستشرافي الإيماني -الذي يؤمن بانتصار الحقِّ على الباطل- يرى أن المسلمين والعرب لولا تقاعسهم عن نصرة الأقصى ولولا تواطؤ مجلس الأمن والأمم المتحدة والقوى الدُّوليَّة لما استطاعت إسرائيل أنْ تحول بين المسلمين وبينه:
يا شعبَ إسرائيلَ مَا مِنْ فتنةٍ *** عمياءَ تحدثُ في البلادِ وتظهرُ
لو أُجْرِيَ التحقيق عن إشعالها *** تالله كان لكَ النصيبُ الأكبرُ
أفسدتَ أوروبا بكلِّ وسيلة *** حتَّى أصرَّ على قتالِكَ هتلرُ
فهناك في القدس الشريفِ مذابحُ *** فيها تسيل من الدماء الأنهرُ
واللاجئون بحالةٍ مِنْ أَجْلِهَا *** ألمًا تكادُ لها القلوب تفطَّرُ
يا (مجلسَ الأمن) المزيَّف أصله *** الظلمُ فيما تدَّعِي وتُقَرِّرُ
يا مجلسًا فيه الذئابُ تجمَّعتْ *** تُبْدِي لنا أنيابها وتُكَشِّرُ
ليستْ قضيتنا تُحَلُّ بمجلسٍ *** يدعو إليه الكافرُ المستعمرُ
والمسجد الأقصى يُرَدِّدُ صارخًا *** قُمْ وارْعَنِي (يا أيُّها المدَّثِّرُ)[8]
ثم يواصل هجومه الشرس على هيئة الأمم التي لا تعرف الحقَّ والعدل، ولم تسمع عن فظائع إسرائيل في مدن فلسطين، ومخاطبًا العالم كلَّه الذي لا ينقاد للحقِّ، ولا يَدْفَع الظلم، بل يقف بجانب الغاشم الظالم، ومناوئًا للضعيف المستباح:
يا هيئةَ الأمم الخبيثة هلْ روى *** لك عن فلسطين الشهيدة مخبرُ؟
هلاَّ سمعتِ بما جرى في قبية[9] *** من حيث أشلاءُ الوَرَى تتبعثرُ؟
أطلالُ قبية إذ تلوحُ كأنَّها *** آثار بابل من بعيدَ وتَدْمُرُ
فعَنِ اليمين ترى بقايا جثة *** لعب الرصاص بلحمها والخنجرُ
وتَئِنُّ من تحت الخرائب طفلةٌ *** تبكي وليس لحقِّها مَنْ يثأرُ
كم تستغيث ولا مغيِّثَ حولها *** ترجو معونته ولا مَنْ ينصرُ
أودى بوالدها اليهودُ ولم تكنْ *** لتراه حتَّى بالأُبُوَّة تفخرُ
وعن الشمال يصيح طفل بائسٌ *** من وجنتيه دمٌ زكيٌّ يقطرُ[10]
حكاية فلسطين الدامية:
ويحكي الأعظمي حكايات القدس الذليل، وكيف تخلَّى عنه أبناؤه على موائد الأغاني والقمار والرذائل، ويستحثُّهم بصورة مليئة بالأسى والحزن؛ لينهضوا في تحرير هذه الأرض المغتصبة، حتى لا تكون أندلسَ أخرى، ونبَّه هؤلاء أنَّ فقدان الأرض الفلسطينيَّة، هو فقدان الإسلام في قطر جغرافي له تاريخه الإسلامي والعربي العريق.
ولعلَّ أكبر إنجاز حقيقيٍّ قام بها المسلمون تجاه الأرض المقدسة في فلسطين، ما فعله القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي في حطين من استرجاع للعزَّة الإسلاميَّة في هذه الأرض، قبل استرجاع هذه القطعة الجغرافيَّة الغالية من الأرض الإسلاميَّة المقدسة، فيقول:
هذي فلسطين كمْ قد ناح نائحها *** ومن كئوس الرَّدَى في أرضهم شَرِبُوا
والقدس يحكمها الحاخام وا أسفا *** والعُرْبُ تندبُ والإسلام ينتحبُ
فكيف كيف صلاحُ الدين حرَّرها؟ *** أبالنوادي أمِ الهيئات يا عربُ؟
أمْ بالموائد حيث الغدرُ مجتمعٌ؟ *** مع الخيانة يا هذا فلا عجبُ
أنْ تخسر العُرْبُ أولى القبلتين وفي *** قلوبُ أبنائها النيرانُ تلتهبُ
نارُ الرذيلة نارُ الحقد قد ملأت *** آفاقنا كيف نصر الله يقتربُ
كفرٌ وفسقٌ وإلحادٌ وزندقة *** والجهل خيَّم فينا بعدما نصبُوا
تلك الفخاخ ليصطادوا بها أُممًا *** باتت تغنِّي ويجلو همَّها الطربُ
فتلك أندلسٌ ولَّتْ وقد لحقتْ *** بها فلسطين ما للعُرْبِ لم يثبُوا
عودوا إلى الدين والتَّقوى فإنكمُ *** إنْ عدتُمُ عادت الأيَّام والحقبُ[11]
ويناجي الأعظمي الجماعة المسلمة، ويستحثُّها أن تنهض للدفاع عن الأرض المسلوبة؛ فحرام على كلِّ مَنِ اتخذ الإسلام دينًا أن يرى هذه الأراضي الإسلاميَّة وقد سُلبت.
ويرى أطفال المسلمين وقد يُتِّموا، ثم نساء المسلمين وقد رُمِّلوا، ويعيش في لذاته ناسيًا أو متناسيًا أنَّ هناك قضيَّة إسلاميَّة عظيمة لم تُحْسَم بعدُ، وهي "القدس" فيقول:
حرامٌ علينا أنْ نعيشَ وحولنا *** دماءُ الضحايا في مجازر قبيةِ
وحيفا ويافا والخليل وقَسْطَل *** وفي دَيْر ياسين وَلُدٍّ ورملةِ
كأنِّي بصوت القدس يعلو مردِّدًا *** تقدَّمْ رعاك اللهُ جيش الأخوَّةِ
وأُمْنِيَتِي أنِّي أذودُ عَنِ الحمى *** وأَرْوِي ربوعَ القدس من دمِ مهجتِي
وأعصر قلبي في فلسطين عَنْ دم *** لأسقي به أشجار مجدي وعزَّتِي[12]
ثم يتساءل الأعظمي: وكيف نُجِيب اللهيوم القيامة إنْ سألنا عن تحرير القدس، وماذا كان دورنا تجاهه؟ فيقول:
بماذا نُجِيب الله إنْ نحن لم نكن *** نصونُ ربوع القدس من شرِّ عصبةِ
وماذا عسى يُجدي اعتذارُ مقصِّرٍ *** إذا جاءَهُ الإنذارُ مليونُ مرَّةِ
أَرُونِي بلادًا بالخصامِ تقدَّمتْ *** أروني بلادًا بالكلام استقلَّتِ
أَمَا آنَ أنْ نحيا كِرَامًا أعزَّةً *** ونحن بنو القوم الكرامِ الأعزَّةِ
تلاميذ عمَّارٍ وأحفادُ خالدٍ *** وأبناءُ سلمانَ وَجُنْدُ قتيبةِ[13]
وأعرب الشاعر وليد الأعظمي عن أسفه وألمه للوضع الراهن في العراق وشعبه وهو يرزح تحت وطأة الاحتلال من قِبَلِ جيوش الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا فأنشد قائلًا:
في كلِّ مؤتمر تبدو مبادرة *** فيها لشُبَّاننا الأبطالِ تخذيلُ
يُقَرِّرون ويحتجُّون لاهيةً *** قلوبهمْ فَهْيَ أدوارٌ وتمثيلُ
لا ينبسون بحرفٍ فيه بارقةٌ *** مِنَ الصمود ليستقوي بها الجيلُ
يُهرولون ليرضى (بوشُ) سيِّدهمْ *** عنهمْ ويشْكُرهمْ موشي ورابيلُ
ولا تردُّ أذى أعدائنا صورٌ *** ولا تردُّ الصواريخَ التماثيلُ
همُ الأسود على أبناء أُمَّتهمْ *** وعند شارون أقزامٌ مهازيلُ[14]
وختم الأعظمي وصاياه لأُمَّته بدعوته قواتَ التحالف إلى الانسحاب من العراق بأسرع وقت، وقال: "إن في العراق رجالًا راشدين لا يحتاجون إلى وصاية من أحد".
وكانت آخر قصيدة نظمها -وأُلقيت بالنيابة عنه بسبب مرضه- في احتفاليَّة البردة النبويَّة التي أُقيمت في مدينة الموصل شمال العراق في شهر يوليو من عام 2004م، ومن بين أبياتها:
أعاهد ربِّي أنْ أظلَّ مجاهدَا *** أَشْدُو بميلادِ النَّبِيِّ قصائدَا
أدعو الأنام بها إلى سُبُل الهدى *** مستنهضًا منهمْ شعورًا خامدَا
وأبثُّ في رُوح الشباب عزيمةً *** تُذْكِي بأعماق القلوب مواقدَا
لتقومَ تجتثُّ الفساد بهمَّة *** تُبْقِي لهيبَ ضرامها متصاعدَا[15]
وفاة الشاعر وليد الأعظمي:
انطفأ سراج وليد الأعظمي الذي طالما أثار الدنيا من حوله في مساء يوم السبت الأول من محرم 1425هـ الموافق 22 من فبراير سنة 2004م.
عن عمر يناهز أربعة وسبعين عامًا، وذلك بعد صراع مع المرض استمرَّ أكثر من شهر عقب إصابته بجلطة، وصُلِّيَ عليه بمسجد الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بالأعظميَّة[16].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] البيت من بحر الطويل.
[2] الأبيات من بحر البسيط.
[3] الأبيات من بحر البسيط.
[4] الوبل: المطر الشديد الضَّخْم القطْرِ، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة وبل 11 718.
[5] الديم جمع الديمةُ، وهي المطر الذي ليس فيه رَعْد ولا برق. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة ديم 12 219.
[6] القِماط: قِماط فلان أَي بُنودِه وحِيَلِه. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة قمط 7 385.
[7] الأبيات من بحر البسيط.
[8] الأبيات من بحر الكامل.
[9] قبية أو قبيا بلدة فلسطينية تقع إلى الغرب من مدينة رام الله، عزلتها إسرائيل عن سائر القرى، ثم منعت سكانها من الخروج، وقصفتها بالقنابل، ومنعت تحرُّك النجدة إليها، وذلك في أكتوبر 1953م، فأُطلق عليها "مدينة قبيا الشهيدة".
[10] الأبيات من بحر الكامل.
[11] القصيدة من البسيط.
[12] الأبيات من الطويل.
[13] صلاح حسن رشيد: مجلة المجتمع الكويتية، مقال بعنوان "وليد الأعظمي في إبداع يشهد له بعد الرحيل"، عدد 1650، بتاريخ 7 05 2005م.
[14] الأبيات من البسيط.
[15] نمير وسمير الحجازي: موقع الإسلام اليوم، الرابط: http: www.islamtoday.net articles show_articles_content.cfm?id=37&catid=76&artid=2355، والأبيات من بحر الكامل.
[16] عبد الله العقيل: مجلة المجتمع الكويتية، مقال بعنوان "شاعر الإسلام وليد الأعظمي"، عدد 1693، بتاريخ 18 03 2006م.
المصدر: موقع قصة الإسلام